فصل: (سورة الحج: الآيات 19- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لِّيَشْهَدُواْ} ليحضروا {مَنَافِعَ لَهُمْ} يعني التجارة عن سعيد بن جبير، وهي رواية ابن رزين عن ابن عباس قال: هي الأسواق.
مجاهد: التجارة وما يرضي الله سبحانه من أمر الدنيا والآخرة.
سعيد بن المسيب وعطية العوفي ومحمد بن علي الباقر: العفو والمغفرة.
{وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ} يعني ذي الحجّة في قول أكثر المفسّرين، والمعدودات أيام التشريق، وإنّما قيل لها معدودات لأنّها قليلة، وقيل للعشر: معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل أنّ وقت الحج في آخرها.
وقال مقاتل: المعلومات أيام التشريق.
محمد بن كعب: المعدودات والمعلومات واحدة.
{على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} يعني الهدايا والضحايا من الإبل والبقر والغنم.
{فَكُلُواْ مِنْهَا} أمر إباحة وليس بواجب.
قال المفسرون: وإنّما قال ذلك لأنّ أهل الجاهلية كانوا ينحرون ويذبحون ولا يأكلون من لحوم هداياهم شيئًا.
{وَأَطْعِمُواْ البائس} يعني الزمِن {الفقير} الذي لا شيء له {ثُمَّ لْيَقْضُواْ} واختلف القراء في هذه اللامات فكسرها بعضهم فرقًا بين ثم والواو والفاء لأن ثمّ مفضول من الكلام، والواو والفاء كأنهما من نفس الكلمة، وجزمها الآخرون لأنّها كلّها لامات الأمر {تَفَثَهُمْ} والتفث: مناسك الحج كلّها عن ابن عمر وابن عباس.
وقال القرظي ومجاهد: هو مناسك الحج واخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقصّ الأظفار.
عكرمة: التفث: الشعر والظفر.
الوالبي عن ابن عباس: هو وضع الإحرام من حلق الرأس وقصّ الأظفار ولبس الثياب ونحوها. وأصل التفث في اللغة الوسخ، تقول العرب للرجل تستقذره: ما أتفثك أي ما أوسخك! وأقذرك! قال أمية بن الصلت:
ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثًا ** وينزعوا عنهم قملًا وصئبانا

{وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} قال مجاهد: نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج.
{وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق} أراد الطواف الواجب وهو طواف الإفاضة والزيارة الذي يطاف بعد التعريف أمّا يوم النحر وأمّا بعده. واختلف العلماء في معنى العتيق، فقال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وقتادة: سمّي عتيقًا لأنّ الله سبحانه أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه، فلم يظهر عليه جبار قطّ، ولم يسلّط عليه إلاّ من يعظّمه ويحترمه.
قال سعيد بن جبير: أقبل تبّع يريد هدم البيت حتى إذا كان بقديد أصابه الفالج فدعا الأحبار فقالوا: إنّ لهذا البيت ربًّا ما قصده قاصد بسوء إلاّ حجبه عنه بمكروه فإن كنت تريد النجاة ممّا عرض لك فلا تتعرّض له بسوء.
قال: فأهدى إلى البيت كسوة وأنطاعًا فأُلبست، وكان أوّل ما أُلبست، ونحر عنده ألف ناقة وعفا عن أهله وبرّهم ووصلهم، فسمّيت المطابخ لمطبخة القوم، وكانت خيله جيادًا فسميّت جياد لخيل تبّع، وسميّت قعيقعان لقعقعة السلاح حين أقبل من المدينة.
وقال سفيان بن عيينة: سمّي بذلك لأنه لم يُملك قط، وهي رواية عبيد عن مجاهد قال: إنما سمّي البيت العتيق لأنّه ليس لأحد فيه شيء.
ابن زيد: لأنه قديم وهو أول بيت وضع للناس، يقال: سيف عتيق ودينار عتيق أي قديم، وقيل: لأنه كريم على الله سبحانه، يقول العرب: فرس عتيق.
{ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله} فيجتنب معاصيه {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}.
قال ابن زيد: الحرمات: المشعر الحرام والبيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام، وقيل: هي المناسك.
{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام} أن تأكلوها إذا ذكّيتموها {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} في القرآن وهو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} [المائدة: 3] الآية، وقوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقيل: وأُحلّت لكم الأنعام في حال إحرامكم إلاّ ما يتلى عليكم من الصيد فإنه حرام في حال الإحرام.
{فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} يعني عبادتها لأن الأوثان كلّها رجس.
{واجتنبوا قَوْلَ الزور} يعني الكذب والبهتان.
قال أيمن بن حريم: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا فقال: «يا أيها الناس عدلت شهادة الزور الشرك بالله، ثمَّ قرأ هذه الآية».
وقال بعضهم: هو قول المشركين في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك.
{حُنَفَاءَ} مستقيمين مخلصين {لِلَّهِ} وقيل: حجاجًا غير مشركين به {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} أي سقط إلى الأرض {فَتَخْطَفُهُ الطير} والخطف والاختطاف تناول الشيء بسُرعة، وقرأ أهل المدينة فتخَطّفه بفتح الخاء وتشديد الطاء أي تتخَطَّفه فأُدغم، وتصديق قراءة العامة قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} [الصافات: 10].
{أَوْ تَهْوِي} تميل وتذهب {بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيد.
قال أهل المعاني: إنما شبّه حال المشرك بحال الهاوي في أنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا دفع ضر يوم القيامة.
وقال الحسن: شبّه أعمال الكفّار بهذه الحال في أُنها تذهب وتبطل، فلا يقدرون على شيء منها.
{ذلك} الذي ذكرت من اجتناب الرجس والزور وتعظيم شعائر الله {مِن تَقْوَى القلوب} هذا معنى الآية ونظمها: وشعائر الله: الهدي والبُدن، وأصلها من الإشعار وهو إعلامها لتعرف أنها هدي فسمّيت به، وتعظيمها استعظامها واستحسانها واستسمانها.
{لَكُمْ فِيهَا} أي في الهدايا {مَنَافِعُ} قيل: أن يسمّيها صاحبها بدنة أو هديا ويشعرها ويقلدّها في رسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها.
{إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو أن يسمّيها هديا ويوجبها، فإذا فعل ذلك لم يكن له من منافعها شيء، هذا قول مجاهد وعطاء والضحاك وقتادة، ورواية مقسم عن ابن عباس، وقيل: معناه: لكم في هذه الهدايا منافع بعد إنجابها وتسميتها هديا بأن تركبوها إذا احتجتم إليها وتشربوا ألبانها إن اضطررتم إليها، إلى أجل مسمّى يعني إلى أن تُنحر، وهذا قول عطاء بن أبي رباح.
وقال بعضهم: أراد بالشعائر المناسك ومشاهد مكة، ومعنى الآية: لكم فيها منافع بالتجارة والأسواق إلى أجل مسمّى وهو الخروج من مكة، وهذه رواية أبي ذر عن ابن عباس.
وقال بعضهم: لكم فيها منافع بالأجر والثواب في قضاء المناسك وإقامة شعائر الحج إلى أجل مسمى وهو انقضاء أيام الحج.
{ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق} أي منحرها عند البيت العتيق يعني أرض الحرم كلّها، نظيرها قوله سبحانه: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} [التوبة: 28] أي الحرم كلّه، وقال الذين قالوا: عنى بالشعائر المناسك، معنى الآية: ثم محلّ الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق أن يطوفوا به طواف الزيارة يوم النحر بعد قضاء المناسك.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} جماعة مؤمنة سلفت قبلكم {جَعَلْنَا مَنسَكًا} اختلف القراء فيه فقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصمًا بكسر السين في الحرفين على معنى الاسم مثل المجلس والمطلع أي مذبحًا موضع قربان، وقرأ الآخرون بفتح السين فيهما على المصدر مثل المدخل والمخرج أي إهراق الدماء وذبح القرابين.
{لِّيَذْكُرُواْ اسم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} عند ذبحها ونحرها، وإنّما خصّ بهيمة الأنعام لأنَّ من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير، وإنما قيل بهائم لأنها لا تتكلم.
{فإلهكم إله وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ المخبتين} قال ابن عباس وقتادة: المتواضعين، مجاهد: المطمئنّين إلى الله سبحانه، الأخفش: الخاشعين، ابن جرير: الخاضعين، عمرو بن أوس: هم الذين لا يَظلمون، وإذا ظُلموا لم ينتصروا.
{الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ والمقيمي الصلاة وَمِمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والبدن} أي الإبل العظام الضخام الأجسام، وتخفّف وتثقّل واحدتها بدنة مثل تمرة وتمر وخشبة وخشب وبادن مثل فاره وفره، والبدن هو الضخم من كلّ شيء ومنه قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق والسدير: البدن لضخمه، وقد بدُن الرجل بدنًا وبدانةً إذا ضخم، فأما إذا أشفى واسترخى قيل: بدّن تبدينًا. وقال عطاء والسدّي: البدن: الإبل والبقر.
{جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله} أي أعلام دينه إذا أُشعر {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} النفع في الدنيا، والأجر في العقبى {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا} عند نحرها، قال ابن عباس: هو أن تقول: الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر، اللهمّ منك ولك.
{صَوَافَّ} أي قيامًا على ثلاث قوائم قد صفّت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك.
روى يعلي بن عطاء عن يحيى بن سالم قال: رأيت ابن عمر وهو ينحر بدنته فقال: صوافّ كما قال الله سبحانه، فنحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها.
وقال مجاهد: الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث وتنحر كذلك.
وقرأ ابن مسعود: {صوافن} وهي المعقلة تعقل يد واحدة، وكانت على ثلاث وتنحر، وهو مثل {صواف}.
وقرأ أُبيّ: {صوافي} وهكذا أيضًا مجاهد وزيد بن أسلم بالياء أي صافية خالصة لله سبحانه لا شريك له فيها كما كان المشركون يفعلون.
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض.
وقال ابن زيد: فإذا ماتت، وأصل الوجوب الوقوع، يقال: وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب، ووجب الفعل إذا وقع ما يلزم به فعله.
{فَكُلُواْ مِنْهَا} أمر إباحة ورخصة مثل قوله سبحانه: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} [المائدة: 2] وقوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض} [الجمعة: 10].
{وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر} اختلفوا في معناهما، فروى العوفي عن ابن عباس وليث عن مجاهد أنّ القانع الذي يقنع بما أُعطي، ويرضى بما عنده ولا يسأل، والمعترّ: الذي يمرّ بك ويتعّرض لك ولا يسأل.
عكرمة وابن ميثم وقتادة: القانع: المتعفف الجالس في بيته، والمعترّ: السائل الذي يعتريك ويسألك، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس.
حصيف عن مجاهد، القانع: أهل مكة وجارك وإن كان غنّيًّا، والمعتّر الذي يعتريك ويأتيك فيسألك، وعلى هذه التأويلات يكون القانع من القناعة وهي الرضا والتعفّف وترك السؤال.
سعيد بن جبير والكلبي: القانع: الذي يسألك، والمعترّ: الذي يتعرّض لك ويريك نفسه ولا يسألك، وعلى هذا القول يكون القانع من القنوع وهو السؤال. قال الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني ** مفاقره أعفّ من القنوع

وقال لبيد:
واعطاني المولى على حين فقره ** إذا قال أبصر خلّتي وقنوعي

وقال زيد بن أسلم: القانع: المسكين الذي يطوف ويسأل، والمعترّ: الصديق الزائر الذي يعترّ بالبدن.
ابن أبي نجيح عن مجاهد: القانع: الطامع، والمعتر: من يعتر بالبدن من غنّي أو فقير.
ابن زيد: القانع: المسكين، والمعترّ الذي يعترّ القوم للحمهم وليس بمسكين ولا يكون له ذبيحة، يجيء إلى القوم لأجل لحمهم.
وقرأ الحسن: والمعترى وهو مثل المعتر، يقال: عراه واعتراه إذا أتاه طالبًا معروفه.
{كذلك سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا} وذلك أنّ أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطّخوا حيطان الكعبة بدمائها فأنزل الله سبحانه: {لَن يَنَالَ الله} أي لن يصل إلى الله {لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا}.
{ولَكِن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} أي النيّة وإلاخلاص وما أُريد به وجه الله عز وجل، وقرأ يعقوب {تنال} و{تناله} بالتاء، غيره: بالياء.
{كذلك} هكذا {سَخَّرَهَا} يعني البدن {لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هدَاكُمْ} لإعلام دينه ومناسك حجّه وهو أن يقول: الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الحج: الآيات 19- 22]:

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}.
{هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الخصم: صفة وصف بها الفوج أو الفريق، فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان مختصمان وقوله: {هذانِ} للفظ. واخْتَصَمُوا للمعنى، كقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا}.
ولو قيل: هؤلاء خصمان. أو اختصما: جاز. يراد المؤمنون والكافرون.
قال ابن عباس: رجع إلى أهل الأديان الستة {فِي رَبِّهِمْ} أى في دينه وصفاته. وروى أن أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أحق باللّه، وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق باللّه، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيكم وبما أنزل اللّه من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا، فهذه خصومتهم في ربهم {فَالَّذِينَ كَفَرُوا} هو فصل الخصومة المعنىّ بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} وفي رواية عن الكسائي: خصمان، بالكسر، وقرئ: {قطعت} بالتخفيف، كأنّ اللّه تعالى يقدّر لهم نيرانا على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة. ويجوز أن تظاهر على كل واحد منهم تلك النيران كالثياب المظاهرة على اللابس بعضها فوق بعض. ونحوه {سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ} الْحَمِيمُ الماء الحار. عن ابن عباس رضي الله عنه: لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها {يُصْهَرُ} يذاب. وعن الحسن بتشديد الهاء للمبالغة، أى: إذا صبّ الحميم على رؤسهم كان تأثيره في الباطن نحو تأثيره في الظاهر، فيذيب أحشاءهم وأمعاءهم كما يذيب جلودهم، وهو أبلغ من قوله: {وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} والمقامع: السياط. في الحديث: «لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها»، وقرأ الأعمش: {ردوا فيها} والإعادة والرد لا يكون إلا بعد الخروج، فالمعنى: كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها. ومعنى الخروج: ما يروى عن الحسن أنّ النار تضربهم بلهبها فترفعهم، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفا {وَقيل لهم ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ} والحريق: الغليظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك.

.[سورة الحج: الآيات 23- 25]:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25)}.